فصل: ذكر قتل عبد الرحمن أمير الأندلس وولاية عبد الملك بن قطن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر وقعة الجنيد بالشعب:

في هذه السنة خرج الجنيد غازياً يريد طخارستان، فوجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفاً، ووجه إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند وعليها سورة ابن الحر، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش الترك فخرجت إليهم فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث الغوث! فأمر الجنيد الناس بعبور النهر، فقام إليه المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي وغيرهما وقالوا: إن الترك ليسوا كغيرهم لا يلقونك صفاً ولا زحفاً وقد فرقت جندك، فمسلم بن عبد الرحمن بالبيروذ، والبختري بهراة، وعمارة بن حريم غائب بطخارستان، وصاحب خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفاً، فاكتب إلى عمارة فليأتك أمهل ولا تعجل. قال: فكيف بسورة ومن معه من المسلمين؟ لو لم أكن إلا في بني مرة أو من طلع معي من الشام لعبرت؛ وقال شعراً:
أليس أحق الناس أن يشهد الوغى ** وأن يقتل الأبطال ضخماً على ضخم

وقال:
ما علتي ما علتي ما علتي ** إن لم اقتلهم فجزوا لمتي

وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للمسير، وبلغ الترك فعوروا الآبار التي في طريق كش، فقال الجنيد: أي طريق إلى سمرقند أصلح؟ فقالوا: طريق المحترقة. فقال المجشر: القتل بالسيف أصلح من القتل بالنار، طريق المحترقة كثير الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين، فإن لقينا خاقان أحرق ذلك كله فقتلنا بالنار والدخان، ولكن خذ طريق العقبة فهو بيننا وبينهم سواء.
فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل، فأخذ المجشر بعنان دابته وقال: إنه كان يقال: ليفرخ روعك. قال: أما ما كان بيننا مثلك فلا. فبات في أصل العقبة ثم سار بالناس حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب، فصبحه خاقان في جمع عظم، وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك، فحمل خاقان على المقدمة، وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير، فرجعوا إلى العسكر والترك تتبعهم وجاؤوهم من كل وجه، فجعل الجنيد تميماً والأزد في الميمنة، وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل، وعلى مجففة خيل بني تميم عبيد الله بن زهير بن حيان، وعلى المجردة عمروا بن جرقاش المنقري، وعلى جماعة بني تميم عامر بن مالك الحماني، وعلى الأزد عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو، وعلى المجففة والمجردة فضيل ابن هناد وعبد الله بن حوذان.
فالتقوا، وقصد العدو الميمنة لضيق الميسرة، فترجل حسان بن عبيد الله ابن زهير بين يدي أبيه، فأمره أبوه بالركوب، فركب، وأحاط العدو بالميمنة، فأمدهم الجنيد بنصر بن سيار، فشد هو ومن معه على العدو فكشفوهم، ثم كروا عليهم وقنتلوا عبيد الله بن زهير وابن جرقاش والفضيل ابن هناد، وجالت الميمنة والجنيد واقف في اقلب، فأقبل إلى الميمنة ووقف تحت راية الأزد، وكان قد جفاهم، فقال له صاحب الراية: ما هلكنا لم تبك علينا. وتقدم فقتل، وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل، وتداولها ثمانية عشر رجلاً فقتلوا، وقتل يومئذ من الأزد ثمانون رجلاً.
وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا، فكانت السيوف لا تقطع شيئاً، فقطع عبدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان، فكانت المعانقة ثم تحاجزوا. وقتل من الأزد عبد الله بن بسطام، ومحمد بن عبد الله بن حوذان، والحسن ابن شيخ، والفضيل صاحب الخيل، ويزيد بن الفضل الحداني، وكان قد حج فأنفق في حجته ثمانين ومائة ألف، وقال لأمه: ادعي الله أن يرزقني الشهادة، فدعت له وغشي عليها، فاستشهد بعد مقدمة من الحج بثلاثة عشر يوماً، وقتل النضر بن راشد العبدي، وكان قد دخل على امرأته والناس يقتتلون فقال لها: كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجاً بالدم؟ فشقت جيبها ودعت بالويل؛ فقال لها: حسبك، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقاً إلى الحور العين! فرجع وقاتل حتى استشهد، رحمه الله.
فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج وطلعت فرسان، فنادى الجنيد: الأرض الأرض! فترجل وترجل الناس، ثم نادى: يخندق كل قائد على حياله، فخندقوا وتحاجزوا، وقد أصيب من الأزد مائة وتسعون رجلاً. وكان قتالهم يوم الجمعة، فلما كان يوم السبت قصدهم خاقان وقت الظهر فلم ير موضعاً للقتال أسهل من موضع بكر بن وائل، وعليهم زياد بن الحارث، فقصدهم، فلما قربوا حملت بكر عليهم فأخرجوا لهم، فسجد الجنيد واشتد القتال بينهم.

.ذكر مقتل سورة بن الحر:

فلما اشتد القتال ورأى الجنيد شدة الأمر استشار أصحابه، فقال له عبيد الله بن حبيب: احتراماً أن تهلك أنت وسورة بن الحر. قال: هلاك سورة أهون علي. قال: فاكتب إليه فليأتك في أهل سمرقند، فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجهوا إليه فقاتلوه. فكتب إليه الجنيد يأمره بالقدوم. وقال حليس بن غالب الشيباني: إن الترك بينك وبين الجنيد، فإن خرجت كروا عليك فاختطفوك. فكتب إلى الجنيد: إني لا أقدر على الخروج. فكتب إليه الجنيد: يا ابن اللخناء تخرج وإلا وجهت إليك شداد بن خليد الباهلي، وكان عدوه، فاخرج الزم الماء ولا تفارقه، فأجمع على المسير وقال: إذا سرت على النهر لا أصل في يويمين وبيني وينه في هذا الوجه ليلة، فإذا سكت الرجل سرت.
فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم بمقالة يورة، ورحل سورة واستخلف على سمر قند موسى بن أسود الحنظلي، وسار في اثني عشر ألفاً، فأصبح على رأس جبل، فتلقاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ وبينه وبين الجنيد فرسخ فقاتلهم، فاشتد القتال وصبروا. فقال غوزك لخاقان: اليوم حار فلا نقاتلهم حتى يحمى عليهم السلاح، فوافقهم وأشعل النار في الحشيش وحال بينهم وبين الماء، فقال سورة لعبادة: ما ترى يا أبا سليم؟ فقال: أرى أن الترك يريدون الغنيمة فاعقر الدواب واحرق المتاع وجر السيف، فإنهم يخلون لنا الطريق، وإن منعونا شرعنا الرماح ونزحف زحفاً، وإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر. فقال: لا أقوى على هذا ولا فلان وفلان، وعد رجالاً، ولكن أجمع الخيل فأصكهم بها سلمت أم عطبت.
وجمع الناس وحملوا، فانكشف الترك وثار الغبار فلم يبصروا من وراء الترك لهيب فسقطوا فيه، وسقط العدو والمسلمون وسقط سوة فاندقت فخذه وتفرق الناس، فقتلهم الترك ولم ينجح منهم غير ألفين، وقال ألف، وكان ممن نجا منهم عاصم بن عمير السمرقند، واستشهد حليس بن غالب الشيباني، وانحاز المهلب بن زياد العجلي في سبعمائة إلى رستاق يسمى المرغاب فنزلوا قصراً هناك، فأتاهم الأشكند صاحب نسف في خيل ومعه غوزك، فأعطاهم غوزك الأمان. فقال قريش بن عبد الله العبدي: لا تثقوا بهم، ولكن إذا جننا الليل خرجنا عليهم حتى نأتي سمرقند. فعصوه فنزلوا بالأمان، فساقهم إلى خاقان فقال: لا أجيز أمان غوزك، فقاتلهم الوجف بن خالد والمسلمون فأصيبوا غير سبعة عشر رجلاً فقتلوا غير ثلاثة.
وقتل سورة في اللهبن فلما قتل خرج الجنيد من الشعب يريد سمرقند مبادراً فقال له خالد بن عبيد الله: سر وأسرع. فقال له المجشر: انزل وخذ بلجام دابته، فنزل ونزل الناس معه، فلم يستتم نزولهم حتى طلع الترك، فقال المجشر له: لو لقونا ونحن نسير ألم يهلكونا؟ فلما أصبحوا تناهضوا فجال الناس، فقال الجنيد: أيها الناس إنها النار، فرجعوا، ونادى الجنيد: أي عبد قاتل فهو حر. فقاتل العبيد قتالاً عجب منه الناس، فسروا بما رأوا من صبرهم وصبر الناس حتى انهزم العدو ومضوا، فقال موسى بن التعراء للناس: تفرحون بما رأيتم من العبيد إن لكم منهم ليوماً أروزبان.
ومضى الجنيد إلى سمر قند فحمل عيال من كان مع سورة إلى مرو وأقام بالصغد أربعة أشهر.
وكان صاحب رأي خراسان في الحرب المجشر بن مزاحم وعبد الرحمن بن صبح الخرقي وعبيد الله بن حبيب الهجري، وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك، وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه، وكان عبيد الله على تعبية القتال. وكان رجال من الموالي مثل هؤلاء في الرأي والمشورة والعلم بالحرب، فمنهم: الفضل بن بسام، مولى ليث، وعبد الله بن أي عبد الله، مولى سليم، والبختري بن مجاهد، مولى شيبان.
فلما انصرف الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة، أحد بني تيم الللات، وزبل بن سويد المري إلى هشام، وكتب إليه: إن سورة عصاني، أمرته بلزوم الماء فلم يفعل فتفرق عنه أصحابه فأتتني طائفة إلى كش وطائفة إلى نسف وطائفة إلى سمرقند وأصيب سورة في بقية أصحابه.
فسأل هشام نهار بن توسعة عن الخبر، فأخبره بما شهد، فكتب هشام إلى الجنيد: قد وجهت إليك عشرة آلاف من أهل البصرة، وعشرة آلاف من أهل الكوفة، ومن السلاح ثلاثين ألف رمح، ومثلها ترسة، فافرض فلا غاية لك في الفريضة لخمسة عشر ألفاً. فلما سمع هشام مصاب سورة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مصاب سورة بخراسان ومصاب الجراح بالباب.
وأبلى نصر بن سيار يومئذ بلاء حسناً. وأرسل الجنيد ليلة بالشعب رجلاً وقال له: تسمع ما يقول الناس وكيف حالهم. ففعل ثم رجع إليه فقال: رأيتهم طيبة أنفسهم، يتناشدون الأشعار ويقرأون القرآن. فسره ذلك.
قال عبيد بن حاتم بن النعمان: رأيت فساطيط بين السماء والأرض فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: بعدب الله بن بسطام وأصحابه، فقتلوا في غدٍ، فقال رجل: مررت في ذلك الموضع بعد ذلك بحين فشممت رائحة المسك.
وأقام الجنيد بسمرقند وتوجه خاقان إلى بخارى وعليها قطن بن قتيبة بن مسلم، فخاف الجنيد الترك على قطن بن قتيبة فشاور أصحابه فقال قوم: نلزم سمرقند. وقال قوم: نسير منها فنأتي ربنجين، ثم كش، ثم إلى نسف فنتصل منها إلى أرض زم ونقطع النهر وننزل آمل فنأخذ عليه بالطريق.
فاستشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بني سليم وأخبره بما قالوا فاشترط عليه أن لا يخالفه فيما يشير به عليه من ارتحال ونزول وقتال، قال: نعم. قال: فإن أطلب إليك خصالاً. قال: وما هي؟ قال: تخندق حيث ما نزلت، فلا يفوتنك حمل الماء ولو كنت على شاطئ نهر، وأن تعطيني في نزولك وارتحالك. قال: نعم. قال: أما ما أشاروا عليك في مقامك بسمرقند حتى يأتيك الغياث فالغياث يبطئ عنك، وأما ما أشاروا من طريق كش ونسف فإنك إن سرت بالناس في غير الطريق فتت في أعضادهم وانكسروا عن عدوهم واجترأ عليك خاقان، وهو اليوم قد استفتح بخارى فلم يفتحوا له، فإن أخذت غير الطريق بلغ أهل بخارى ما فعلت فيستسلموا لعدوهم، وإن أخذت الطريق الأعظم هابك العدو، والرأي عندي أن تأخذ عيال من قتل مع سورة فتقسمهم على عشائرهم وتحملهم معك، فإني أرجو بذلك أن ينصرك الله على عدوك وتعطي كل رجل تخلف بمسرقند ألف درهم فرساً.
فأخذ برأيه وخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فاس وأربعمائة راجل. فشتم الناس عبد الله بن أبي عبد الله وقالوا: ما أراد إلا هلاكنا. فخرج الجنيد وحمل العيال معه وسرح الأشحب بن عبيد الحنظلي ومعه عشرة من الطلائع وقال: كلما مضت مرحلة سرح إلي رجلاً يعلمني الخبر. وسار الجنيد فأسرع السير، فقال له عطاء الدبوسي: انظر أضعف شيخ في العسكر فسلحه سلاحاً تاماً بسيفه ورمحه وترسه وجعبته ثم سر على قدر مشيه، فإنا لا نقدر على سرعة المسير والقتال ونحن رجالة. ففعل الجنيد ذلك، ولم يعرض للناس عارض حتى خرجوا من الأماكن المخوفة، ودنا من الطواويس، وأقبل إليه خاقان بكرمينية أول يوم من رمضان واقتتلوا، فأتاه عبد الله بن أبي عبد الله وهو يضحك، فقال الجنيد: ليس هذا يوم ضحك. قال: الحمد لله الذي لم يلقاك هؤلاء في جبال معطشة وعلى ظهر إنما أتوك وأنت مخندق آخر النهار كالين وأنت معك الزاد، فقاتلوا قليلاً ثم رجعوا. ثم قال للجنيد: ارتحل فن خاقان وذأنك تقيم فينطوي عليك إذا شاء.
فسار وعبد الله على الساقة، ثم أمره بالنزول فنزل، واستقى الناس وباتوا، فلما اصبحوا ارتحلوا، فقال عبد الله: إني أتوقع أن خاقان يصدم الساقة اليوم فشدوها بالرجال، فقواهم الجنيد، وجاءت الترك فمالت على الساقة فاقتتلوا، فاشتد بينهم وقتل مسلم بن أحوز عظيماً من عظماء الترك، فتطيروا من ذلك وانصرفوا من الطواويس. وسار المسلمون فدخلوا بخارى يوم المهرجان، فتلقوهم بالدراهم البخارية، فأعطاهم عشرة عشرة.
قال عبد المؤمن بن خالد: رأيت عبد الله بن أبي عبد الله في المنام بعد موته، فقال: حدث الناس عني برأيي يوم الشعب.
وكان الجنيد يذكر خالد بن عبد الله فيقول: زبدة من الزبد، صنبور من صنبور، قل من قل، هيفة من الهيف. والهيفة: الضبع، والقل: الفرد، الصنبور: الذي لا أخ له، وقيل الملصق.
وقدمت الجنود من الكوفة على الجنيد، فسرح معهم حوثرة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه. وقيل: إن وقعة الشعب كانت سنة ثلاث عشرة؛ وقال نصر بن سيار يذكر يوم الشعب:
إني نشأت وحسادي ذوو عددٍ ** يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا

إن تحسدوني على مثل البلاء لكم ** يوماً فمثل بلائي جر لي الحسدا

يأبى الإله الذي أعلى بقدرته ** كعبي عليكم وأعطى فوقكم عددا

أرمي العداة بأفراس مكلمةٍ ** حتى اتخذن على حسادهن يدا

من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا ** لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا

هلا شهدتم دفاعي عن جنيدكم ** وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا

وقال ابن عرس يمدح نصراً:
يا نصر أنت فتى نزار كلها ** فلك المآثر والفعال الأرفع

فرجت عن كل القبائل كربةً ** بالشعب حين تخاضعوا وتضعضعوا

يوم الجنيد إذ القنا متشاجر ** والنحر دامٍ والخوافق تلمع

ما زلت ترميهم بنفسٍ حرةٍ ** حتى تفرج جمعهم وتصدعوا

فالناس كل بعدها عتقاؤكم ** ولك المكارم والمعالي أجمع

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة. وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: سليمان بن هشام عبد الملك. وفيها استعمل أهل الأندلس على أنفسهم بعد موت الهيثم أميرهم محمد بن عبد الملك الأشجعي، فبقي شهرين، وولي بعده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، وكان عمال الأمصار هذه السنة من ذكرناهم في السنة قلها.
وفيها مات رجاء بن حيوة بقسين؛ حيوة بالحاء المهملة المفتوحة، وسكون الياء المثناة من تحت. وفيها توفي مكحول أبو عبد الله الشامي الفقيه. وعبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي، ومات أبوه وأمه حامل به، فكل ما يروونه عن أبيه فهو منقطع. ثم دخلت:

.سنة ثلاث عشرة ومائة:

.ذكر قتل عبد الوهاب:

في هذه السنة قتل عبد الوهاب بن بخت، وكان قد غزا مع عبد الله البطال أرض الروم، فانهزم الناس عن البطال، فحمل عد الوهاب وهو يقول: ما رأيت فرساً أجبن منك، سفك الله دمي إن لم أسفك دمك! ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح: أنا عبد الوهاب بن بخت! أمن الجنة تفرون؟ ثم تقدم في نحر العدو، فمر برجل يقول: واعطشاه! فقال: تقدم، الري أمامك. فخالط القوم فقتل وقتل فرسه.

.ذكر غزو مسلمة وعوده:

وفيها فرق مسلمة الجيوش ببلاد خاقان ففتحت مدائن وحصون على يديه وقتل منهم وأسر وسبى وأحرق ودان له من وراء جبال بلنجر، وقتل ابن خاقان، فاجتمعت تلك الأمم جميعها الخزر وغيرهم عليه في جمع لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، وقد جاز مسلمة بلنجر فلما بلغه خبرهم أمر أصحابه فأوقدوا النيران ثم ترك خيامهم وأثقالهم وعاد هو وعسكره جريدة، وقدم الضعفاء وأخر الشجعان، وطووا المراحل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل إلى الباب والأبواب في آخر رمق.

.ذكر قتل عبد الرحمن أمير الأندلس وولاية عبد الملك بن قطن:

في هذه السنة وهي سنة ثلاث عشرة ومائة، غزا عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي، وكان هشام بن عبد الملك قد استعمل عبيدة على إفريقية والأندلس سنة عشر ومائة، فلما قدم إفريقية رأى المستنبر بن الحارث الحريثي غازياً بصلية، وأقام هناك حتى هجم عليه الشتاء ثم قفل راجعاً، فغرق من معه وسلم المستنبر في مركبه، فحبسه عبيدة عقوبة له وجلده وشهره بالقيروان.
ثم إن عبيدة استعمل على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله، فغزا إفرنجة وأوغل في أرضهم وغنم غنائم كثيرة، وكان فيما أصاب رجل من ذهب مفصصة بالدر والياقوت والزمرد، فكسرها وقسمها في الناس. فبلغ ذلك عبيدة، فغضب غضباً شديداً، فكتب إليه يتهدده، فأجابه عبد الرحمن، وكان رجلاً صالحاً: أما بعد فإن السموات والأرض لو كانتا رتقاً لجعل الله للمتقين منها مخرجاً. ثم خرج غازياً ببلاد الفرنج هذه السنة، وقيل: سنة أربع عشرة، وهو الصحيح، فقتل هو ومن معه شهداء.
ثم إن عبيدة سار من إفريقية إلى الشام ومعه من الهدايا والإماء ولعبيد والدواب وغير ذلك شيء كثير، واستغفى هشاماً، فأجابه إلى ذلك وعزله، وكان قد استعمل على الأندلس بعد قتل عبد الرحمن عبد الملك بن قطن.
ثم إن هشاماً استعمل على إفريقية بعد عبيدة عبيد الله بن الحبحاب، وكان على مصر، فسار عبيد الله إلى إفريقية سنة ست عشرة ومائة فأخرج المستنير من الحبس وولاه توني.
ثم إن عبيد الله جهز جيشاً مع حبيب بن أبي عبيدة وسيرهم إلى أرض السودان فظفر بهم ظفراً لم يظفر أحد مثله وأصاب ما شاء، ثم غزا البحر ثم انصرف.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة مات عدي بن ثابت الأنصاري. ومعاوية بن قرة بن إياس الموني، والد إياس قاضي البصرة الذي يضرب بذكائه المثل. وفيها توفي حرام بن سعيد بن محيصة أبو سعيد، وعمره سبعون سنة؛ حرام بفتح الحاء المهملة وبالراء المهملة. وحيصة بضم الميم، وفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء المثناة من تحت، وبالصاد المهملة. وفيها توفي طلحة بن مصرف الأيامي. وعبد الله بن عبيد الله بن عمير الليثي. وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، ويكنى أبا جعفرة، وعمره سبع وسبعون سنة. ووهب بن منبه الصناعاني، وكان أصغر من أخيه همام، وكانوا خمسة إخوة: همام ووهب وغيلان وعقيل ومعقل، وقيل: مات سنة عشر ومائة. وفيها توفي الحر بن يوسف أمير الموصل ودفن بمقابر قريش بالموصل، وكانت بإزاء داره لمعروفة بالمنقوشة، في ذي الحجة، واستعمل هشام مكانه الوليد بن تليد العبسي، وأمره بالجد في إتمام حفر النهر في البلد، فشرع فيه واهتم بعمله.
وفيها غزا معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع.
وفي هذه السنة سار جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان، فاخذ الجنيد رجلاً منهم فقتله وقال: من أصبت منهم فدمه هدر.
وحج بالناس هذه السنة سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقيل: إبراهيم ابن هشام بن إسماعيل المخزومي، وكان العمال من تقدم ذكرهم. ثم دخلت:

.سنة أربع عشرة ومائة:

.ذكر ولاية مروان بن محمد أرمينية وأذربيجان:

في هذه السنة استعمل هشام بن عبد الملك مروان بن محمد بن مروان، وهو ابن عمه، على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية.
وكان سبب ذلك أنه كان في عسكر مسلمة بأرمينية حين غزا الخزر، فلما عاد مسلمة سار مروان إلى هشام فلم يشعر به حتى دخل عليه، فسأله عن سبب قدومه فقال: ضقت ذرعاً بما أذكره ولم أر من يحمله غيري! قال: وما هو؟ قال مروان: قد كان من دخول الخزر إلى بلاد الإسلام وقتل الجراح وغيره من لمسلمين ما دخل به الوهن على المسلمين، ثم رأى أمير المؤمنين أن يوجه أخاه مسلمة بن عبد الملك إليهم، فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها، ثم رأى أمير المؤمنين أن يوجه أخاه مسلمة بن عبد الملك إليهم، فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها، ثم إنه لما رأى كثرة جمعه أعجبه ذلك فكتب إلى الخزر يؤذنهم بالحرب وأقام بعد ذلك ثلاثة أشهر، فاستعد القوم وحشدوا، فلما دخل بلادهم لم يكن له فيهم نكاية، وكان قصاراه السلامة، وقد أردت أن تأذن لي في غزوة أذهب بها عنا العار وأنتقم من العدو. قال: قد أذنت لك. قال: وتمدني بمائة وعشرين ألف مقاتل؟ قال: قد فعلت. قال: وتكتم هذا الأمر عن كل واحد؟ قال: قد فعلت، وقد استعلمتك على أرمينية.
فودعه وسار إلى أرمينية والياً عليها، وسمى هشام الجنود من الشام والعراق والجزيرة، فاجتمع عنده من الجنود والمتطوعة مائة وعشرون ألفاً، فأظهر أنه يريد غزو اللان وقصد بلادهم، وأرسل إلى ملك الجذر يطلب منه المهادنة، فأجابه إلى ذلك وأرسل إليه من يقرر الصلح، فأمسك الرسول عنده إلى أن فرغ من جهازه وما يريد، ثم أغلظ لهم القول وآذنهم بالحرب، وسير الرسول إلى صاحبه بذلك ووكل به من يسيره على طريق فيه بعد، وسار هو في أقرب الطرق، فما وصل الرسول إلى صاحبه إلا ومران قد وافاهم، فاعلم صاحبه الخبر وأخبره بما قد جمع له مران وحشد واستعد. فاستشار ملك الجذر أصحابه، فقالوا: إن هذا قد اغترك ودخل بلادك، فغن أقمت إلى أن تجمع لم يجتمع عندك إلى مدة فيبلغ منك مايريد، وإن أنت لقيته على حالك هذه هزمك وظفر بك، والرأي أن تتأخر إلى أقصى بلادك وتدعه وما يريد. فقبل رأيهم وسار حيث أمروه.
ودخل مروان البلاد وأوغل فيها وأخربها وعنم وسبى وانتهى إلى آخرها وأقام فيها عدة أيام حتى أذلهم وانتقم منهم، ودخل بلاد ملك السرير فأوقع بأهله وفتح قلاعاً ودان له الملك وصالحه على ألف رأس وخمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور ومائة ألف مديٍ تحمل إلى الباب، وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس نصفين، وعشرين ألف مدي، ثم دخل أرض زريكران، فصالحه ملكها، ثم أتى إلى أرض خمزين، فأبى حمزين أن يصالحه، فحصرهم فافتتح حصنهم، ثم أتى سغدان فافتتحها صلحاً ووظف على طيرشانشاه عشرة آلاف مدي كل سنة تحمل إلى الباب، ثم نزل على قلعة صاحب اللكز، وقد امتنع من أداء الوظيفة، فخرج ملك اللكز يريد مالك الخز، فقتله راعٍ بسهم هو لا يعرفه، فصالح أهل اللكز مروان،واستعمل عليهم عاملاً، وسار إلى قلعة شروان، وهي على البحر، فأذعن بالطاعة، وسار إلى الدوداني فأقلع بهم ثم عاد.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، فأصاب ربض أقرن، وإن عبد الله البطال التقى هو وقسطنطين في جمع، فهزمهم البطالوأسر قسطنطسن. وفيهاغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى، فبلغ قيسارية. وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام المخزومي عن المدينة واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم في ربيع الأول، وكانت إمراة إبراهيم على المدينة ثماني سنين، وعزل أيضاً إبراهيم عن مكة والطائف واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم في ربيع الأول، وكانت إمراة إبراهيم على المدينة ثماني سنين، وعزل أيضاً إبراهيم عن مكة والطائف واستعمل عليهما محمد بن هشام المخزومي، وقيل. بل ولى محمداً سنة ثلاث عشرة، فلما عزل إبراهيم أقر محمد عليها. وفيها وقع الطاعون بواسط. وفيها أقبل مسلمة بن عبد الملك بعدما هزم خاقان وأحكم ما هناك وبنى الباب.
وحج الناس خالد بن عبد الملك بن الحارث، وقيل محمد هشام. وكان العمال من تقدم ذكرهم في السنة قبلها، غير أن المدينة كان عاملها خالد بن عبد الملك، وعامل مكة والطائف محمد بن هشام، وعامل أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد.
وفيها مات عطاء بن أبي رباح، وقيل سنة خمس عشرة، وعمره ثمان وثمانون سنة، وقيل مائة سنة. وفيها توفي محمد بن الحسين الباقر، وقيل سنة خمس عشرة، وكان عمره ثلاثاً وسبعين سنة، وقيل ثمانياً وخمسين سنة. والحكم بن عتيبة بن النهاس أبو محمد، وهو مولى امرأة من كندة، ومولده سنة خمسين. وفيها توفي عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي قاضي مرو، وكان مولده لثلاث سنين مضت من خلافة عمر بن الخطاب.
عتبة بضم العين المهلمة، وفتح التاء فوقها نقطتان، وبعدها ياء مثناة من تحتها، وآخره باء موحدة. وبريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء. والحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتني وأخره باء موحدة. ثم دخلت: